تاريخ العظماء زبير بن العوام صاحب السيف الصادق والعقل الراجح والثابت

هو: »أبوعبدالله« الزوبير بن العوام بن خويلد بن عبدالعزي بن قصي يجتمع نسبه مع الرسول صلي الله عليه وسلم في قصي. وأمه: »صفية بنت عبدالمطلب« عمة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي أسلمت وهاجرت معه. مات أبوه وهو طفل وتولي عمه نوفل بن »خويلد« أمره وأعلن إسلامه بعد سن الثمانية. وأشتد غيظ عمه عليه وأخذ يلفه في حصير ويعلقه من رجليه ويطلق دخان النار عليه وهو يقول له: أرجع إلي دين إبائك وأجدادك. وستظل هكذا حتي تكفر بمحمد فيقول الزبير: لا: لا: لن أكفر بمحمد. فما أقسي العم الذي تحجر قلبه وما أشجع الغلام الذي لان قلبه حول هذا الصحابي الجليل يقول الشيخ فوزي محمود نصار: يروي الحافظ: أن أول من سل سيفه في الإسلام الزبير بين العوام. سمع نفخة نفخها الشيطان، »أخذ رسول الله« فخرج الزبير يشق الناس بسيقه والنبي صلي الله عليه وسلم بأعلي مكة فلقيه فقال »مالك يازبير«. فقال »أخبرت أنك أخذت« قال فصلي عليه ودعا له ولسيفه وهو جند من جنود الدعوة. وشاب نشأ في عبادة الله. وحواري رسول الله صلي الله عليه وسلم حمل سيفه من أول يوم وراح يتصدي للذين يريدون للدعوة أن تموت في مهدها. لقد أعلن الزبير إسلامه في وقت كانت الدعوة الوليدة محاصرة في مكة، وكان المسلمون قلة لاحول لهم ولا قوة، ومن حولهم عبدة الأصنام والأوثان يذيقونهم ألوان العذاب، ويؤذون الرسول صلي الله عليه وسلم والذين آمنوا معه. والمسلمون ليس لهم ناصر ينصرهم، ولم يكن أمامهم حل إلا الهجرة من مكة إلي الحبشة أولاً ثم إلي المدينة المنورة ثانياً. إن أهل مكة في ذلك الوقت كانوا كفاراً يعبدون الأصنام من دون الله وليسوا علي دين، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن سبيل الله. وكان هناك في الشاطئ الأخر للبحر الأحمر »أمه نصرانية« تعبد الله وتؤمن به علي دين عيسي عليه السلام. وتشترك مع الدين الجديد في محاربة الشرك وأهله، وهي أمة الحبشي، وهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا كما ذكر القرآن الكريم قال تعالي: »لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون« »المائدة 8«. أما الذين اشركوا فهم أشد الناس عدواة للذين آمنوا فكان لابد من الفرار بالدين الجديد إلي دار يعبد أهلها الله ولايشركون به حتي يقضي الله أمرا كان مفعولاً. وكان الزبير بن العوام علي الرغم من صغر سنه واحداً ممن نال شرف الهجرة في سبيل الله لإعلاء دينه ورفع راية الحق حتي تصبح كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلي، وكانت الهجرة الأولي إلي الحبشة، والثانية إلي المدينة المنورة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، عندما هاجر مع الذين آمنوا به معه. وفي المدينة المنورة التقي الشرفاء الأطهار مع المهاجرين مع إخوانهم الأنصار الذين رحبوا بهم وأحسنوا استقبالهم، وآخي الرسول صلي الله عليه وسلم بينهم فكان لكل واحد من المهاجرين أخ من الأنصار وعاشوا إخوة متحابين رضي الله عنهم ورضوا عنه. وكان الزبير بن العوام ممن شاركوا الرسول صلي الله عليه وسلم في غزواته، وظل يحمل سيفه في سبيل الله بعد وفاته إلي جانب خليفته أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتتجلي بطولته في غزوة بدر الكبري التي كان للمسلمين فيها شرف النصر. فقد كانت هذه إرادة الله لكي يحتدم القتال ويلقي الطغاة مصارعهم.. قال تعالي: »وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولا وإلي الله ترجع الأمور« »الأنفال 44«. لقد صرع الزبير »عبيدة بن سعيد بن العاص« ذلك البطل المشهور بشدته وبطولته النادرة أخذ يفكر ويفكر حتي طعنه طعنة نافذة أخرقت عينه إلي مؤخرة رأسه، وصرخ بطل قريش وخر صريعاً لاينطق ولايتحرك، وكبر المسلمون الله أكبر لقد جاء النصر. ودب الفزع في صفوف المشركين، لقد سقط أحد أبطالهم بطعنة قاتلة وجهها بطل الإسلام الفتي الناشئ الزبير بن العوام بعنزته »رمحه القصير«، وسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم بخبر »عنزة« الزبير فطلبها منه فأعطاها له وظلت عنده صلي الله عليه وسلم ثم احتفظ بها خلفاؤه الأربعة من بعده حتي طلبها ابنه عبدالله من علي رضي الله عنه واحتفظ بها. كم أنت عظيم يابن العوام، لقد أثبت وجودك الإيماني في أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة حضر أحد والخندق، وحضر فتح مكة فجعله الرسول علي الجناح الأيسر مدخل مكة من شمالها. وحضر معركة اليرموك بواد بناحية الشام، وبعد فتح الشام كان فتح مصر كنانة الله في أرضه، وفتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بقيادة عمرو بن العاص، ولما استعصي عليه فتحها طلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدداً من الجيش لمعاونته علي فتح مصر والتغلب علي جيش الروم المعسكر بها فأمده بأربعة آلاف جندي وعليهم أربعة من القادة من مشاهير الصحابة أولهم: الزبير بن العوام الذي قام بعملية شجاعة وهي فتح حصن بابليون وأظهر شجاعة في أروع التضحية والفداء لاعلاء كلمة الدين ورفع راية العدل والسلام. ووهب نفسه ووضع سلماً أمام الحصن بعدما استعصي عليهم، وصعد إلي أعلي الحصن وهو يقول بأعلي صوته الله أكبر والجيش الإسلامي يردد من ورائه كلمة التوحيد تهز الدنيا حتي ظن أهل الحصن أن العرب قد اقتحموه فولوا الأدبار هاربين وأسرع الزبير إلي باب الحصن ففتحه وكان النصر. الزبير بن العوام كما وصفه المؤرخون: قال عنه الإمام السيوطي في كتابه: در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة. الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزي الأسدي أبو عبدالله. حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أعلام السادة السالفين البدريين، وقال عروة ابنه: كان الزبير طويلاً تخط رجلاه الأرض إذا ركب، وكان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، وكان يتصدق به كله، ولايدخل بيته منه شيئا. قال بن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها ولأهل مصر عنه حديث واحد قتل راجعاً من وقعة الجمل بوادي السباع في جمادي الأولي سنة ست وثلاثين عن عمر يناهز سبع وستين سنة ووصفه الحافظ أبو نعيم في كتابه الحلية فقال الزبير بن العوام الثابت القوام.. صاحب السيف الصارم والرأي الحازم. كان لربه مستكيناً، وبه مستعيناً.. قاتل الأبطال، وباذل الأموال. قال عنه عثمان بن عفان: لما قيل له استخلف الزبير أما أنه لأخيرهم وأحبهم إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم أخرجه البخاري ومسلم رضي الله عن الزبير فقد كان أمة وحدة وركيزة من ركائز النصر فيما خاضه من معارك.