أحكام الجنائز.
هدي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنائز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من المعلوم من الدين بالضرورة أن أمر الجنائز أمر توقيفي ديني قائم على ما جاء في الكتاب والسنة فلا يجوز لأحد مهما كان أن يتعداهما ، وإلا لقي الله تعالى مشاق له مخالف لنبيه مبتدع في دينه ، قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
العقاب } . وقال تعالى : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} وقال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَاب أليم} .
وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } .
( و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقال أيضاً : (من رغب عن سنتي فليس مني) رواه مسلم
فما هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنائز ؟
1- عيادة المريض ، ورغب الناس على ذلك فقال عليه الصلاة والسلام " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان عشيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح" صحيح الجامع
2- تلقينه " لا إلـه إلا الله " وذلك عند النزع لقوله عليه الصلاة والسلام " لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله " صحيح أبي داود .
3- تغميض عيني الميت ، والدعاء له ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ) . ثم قال : ( اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه ، وعلى أهل الميت الصبر لقوله عليه الصلاة والسلام : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها) أحكام الجنائز للألباني
4- أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه ، حيث سجي – أي غطي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ببردة حبرة ، أي ثوب مخطط .
5- أن يعجلوا بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه وخاصة في الصيف لئلا يتلف من الحر
*- ويكون تجهيزه على النحو التالي :
1- غسل الميت : وأولى الناس بغسل الميت وصيه – أي الذي أوصى له الميت بغسله - .
2- الأنثى تغسلها وصيتها ثم أمها ثم ابنتها ثم القربى فالقربى .
3- الذكر يغسله وصيه ثم أبوه ثم الأقرب فالأقرب .
4- للزوج أن يغسل زوجته لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة " ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك " وللزوجة أن تغسل زوجها لأن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته .
5- للرجل والمرأة غسل من له أقل من سبع سنين سواء كان ذكرا أو أنثى .
--- كيفية غسل الميت ---
1- يسن عند تغسيل الميت أن يستر عورته ثم يجرده من ثيابه ويستره عن عيون الناس ، ثم يرفع رأسه إلى أقرب جلوسه ، ويعصر بطنه برفق ليخرج الأذى منه ويكثر صب الماء حينئذ ليذهب ما يخرج من الأذى .
2- يلف الغاسل على يده خرقة أو قفاز فينجي بها الميت – أي يغسل فرجيه دون أن يرى عورته أو يمسها – ثم يسمي ويوضؤه كوضوء الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام لغسالات ابنته زينب " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " .
3- لا يدخل الغاسل الماء في أنف الميت ولا فمه وإنما يدخل اصبعيه ملفوفاً بهما خرقة مبلولة بين شفتي الميت فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما .
4- يستحب أن يغسل برغوة السدر رأسه ووجهه وباقي السدر لجسده يغسل جانبه الأيمن من جهة الأمام ومن جهة الخلف وهكذا يفعل بجانبه الأيسر للحديث السابق " ابدأن بميامنها " إذا تعذر السدر فالصابون يحل مكانه أو الشامبو " ويستخدم قطعة ليف ناعم أو اسفنج لتدليك الجسم .
5- يغسل ذلك الصابون بالماء مع دلك باليد إلا عند العورتين بالقفازات ويعم الماء الجسد كله .
6- إذا احتاج الأمر لغسله ثانية بالصابون فلا بأس ثم يغسل بالماء لقوله عليه الصلاة والسلام للغسالات " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك .
7- يسن أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا - أي في الماء بعد غسله من الصابون بماء نظيف ، ثم نجعل الكافور بوعاء آخر من ماء فيسكب فوق الميت فيكون وتراً -
لقوله عليه الصلاة والسلام للغسالات " واجعلن في الاخرة كافورا أو شيئا من كافور" والكافور من أنواع الطيب بارد تطرد رائحته الحشرات .
8- يظفر شعر المرأة ثلاث ظفائر بعد أن ينقض في أول الغسل ويسدل وراء ظهرها لقول أم عطية عندما غسلت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم " فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها " . ، وإذا سقط شيء من شعر الميت فيوضع في الكفن .
9- تنشيف الميت بعد غسله ، ثم يوضع على عورته قطعة قماش ناشفة غير الأولى .
ملاحظة :
* ليس من السنة توجيه الميت إلى القبلة أثناء الغسل ، وإنما يكون ذلك في قبره .
* إذا خرج من الميت أذى بول أو غائط بعد سبع غسلات فإنه يحشى فرجه بقطن ثم يغسل المحل المتجنس ثم يوضأ الميت ، أما إذا خرج الأذى بعد تكفينه فإنه لا يعاد غسله لأن فيه مشقة .
--- تكفين الميت---
1- يجب تكفين الميت ويكون ثمنه من مال الميت لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك.
2- يستحب في الكفن أن يكون ثلاث لفائف بيضاء غير شفافة تغيب الرأس والقدمين
--- طريقة التكفين ---
1- يُرَش شيء من ماء الورد على الكفن ثم يُبَخَّر فوق مبخرة مسك .
2- ثم تُبسَط بعضها فوق بعض – أي اللفائف - .
3- رفع الميت ووضعه على الكفن فوق اللفائف .
4- يستحب ربط خرقة عليها قطن يوضع عليها حنوط وهو طيب خاص بالموتى وإذا تعذر الحنوط فيوضع مسك أو أي نوع من أنواع الطيب الزيتي ، فتغطى بها عورة الميت من الأمام والخلف – أي كالحفَّاظ – لئلا تخرج منه رائحة كريهة .
5- يستحب وضع الحنوط أو أي نوع من أنواع الطيب على منافذ وجه الميت عينيه ، ومنخريه وشفتيه وأذنيه وعلى مواضع السجود وإذا طيب جميع الجسد فلا حرج .
6- يرد الطرف اللفافة الأولى على شقه الأيمن ، ثم طرفها الآخرعلى شقه الأيسر ثم يفعل باللفافة الثانية مثلما فعل الأولى ، ثم الثالثة ثم تسحب الفوطة التي كانت تغطي العورة ، ثم تعقد الربطات على الكفن ويستحب أن تكون سبع ربطات حتى لا تتفرق
7- ما يزيد من الكفن عند رأس الميت يرد على الرأس والوجه ، وكذلك ما زاد على الرجلين يرد ثم يربط بعد ذلك .
8 - وتحل الأربطة بعد ادخال الميت القبر دون كشف للوجه إلا من مات وهو محرم بالحج .
* وأخيراً : نذكر بثواب المغسل عند الله تعالى مشروطان بشرطين اثنين :
1- : أن يستر عليه ولا يحدث بما قد يرى من المكروه لقوله صلى الله عليه وسلم : "من غسل مسلما فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة ومن حفر له فأجنه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس واستبرق الجنة " .
2- : أن يبتغي بذلك وجه الله لا يريد به جزاء ولا شكورا ولا شيئا من أمور الدنيا قال صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه " .
ملاحظة : شهيد المعركة فإنه لا يغسل ويكفن بثوب واحد فوق ثيابه التي قتل بها ، والصلاة عليه أو تركها كلاهما سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم
---------------
*- حمل الجنازة واتباعها : ويجب حمل الجنازة واتباعها وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم : " يجب للمسلم على أخيه خمس : رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس "
*- الراكب من المشيعين يكون خلف الجنازة ، أما الماشي فله أن يكون من أمامها أو خلفها أو يمينها أو شمالها كيف ما يشاء .
*- لا يتبع الجنازة بنار – كاطلاق الأعيرة النارية – أو بصوت أو بميسيقى فإن كل ذلك من عادات النصارى والعياذ بالله .
قال عليه الصلاة والسلام " ( لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ) حسن لغيره . - ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة لأنه بدعة ولقول قيس بن عباد : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز ) . ولأن فيه تشبها بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين . وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفا حزينا كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية تقليدا للكفار . والله المستعان . قال النووي ( واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه .
*- ثواب اتباع الجنازة " قال عليه الصلاة والسلام " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا حتى يصلي عليه فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان من الأجر ] . قيل : [ يا رسول الله ] وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين . ( وفي الرواية الأخرى : كل قيراط مثل أحد ) .
*- ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ووجه قبالة القبلة ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها على هذا جرى عمل أهل الإسلام ، ويقول الذي يضعه في لحده بسم الله وعلى سنة رسول الله أو : ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم -- ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثيات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد لفعله صلى الله عليه وسلم .
*- ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور : الأول : أن يرفع القبر عن الأرض قليلا نحو شبر ولا يسوى بالأرض ليتميز فيصان ولا يهان
الثاني : أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله .
الرابع : أن لا يلقن الميت التلقين المعروف اليوم لأن الحديث الوارد فيه لا يصح بل يقف على القبر يدعو له بالتثبيت ويستغفر له ويأمر الحاضرين بذلك . حيث كان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : ( استغفروا لأخيكم وسلو له التثبيت فإنه الآن يسأل ) .
الخامس - ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده وهذا من فعله عليه الصلاة والسلام .
*- بعد ذلك ينتهي الأمر ويعود الناس إلى بيوتهم وليس للجلوس اللعزاء فإنهم من البدع والضلالات
إذن ينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما :
أ - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد .
ب - اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء . وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة رواه مسلم قال النووي في ( المجموع ) ( 5/306 ) : وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته قالوا : يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من اراد التعزية قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها . ونص الإمام الشافعي الذي أشار إليه النووي في كتاب ( الأم )
وقال : وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر ) . . وكذا نص ابن الهمام في شرح الهداية على كراهة اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت وقال : ( وهي بدعة قبيحة ) وهو مذهب الحنابلة كما في ( الإنصاف ) . وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم أمر يشغلهم أو أتاهم ما يشغلهم ) . قال الإمام الشافعي في ( الأم ) : ( وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة وذكر كريم وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا ) .
نسأل الله تعالى أن يحسن ختامنا أجمعين